العقول تحكم ... لا السيوف _ الكاتب ابو عمر ابراهيم الجفال
قصة قصيرة .
العقول تحكم ... لا السيوف
بقلم : أبو عمر إبراهيم الجفال
" حين تغيب الحكمة يعلو صليل السيوف ...
لكن النصر لا يُكتب إلا للعقل ."
يحكى انه كان ياما كان ... بقديم العهد والزمان ، كان هناك ملك شاب لإحدى البلدان وكان حديث عهدٍ بالحكم ، لا يفقه الكثير من شؤون السياسة وإدارة البلاد . وكان له وزير يُدعى خليل ، رجل ماكر شديد الدهاء ، جمع بين الفطنة والذكاء والقسوة ، وكأنه أحد تلاميذ الشيطان ، إن لم يكن الشيطان ذاته .
وذات يوم ، دبّر خليل خطة محكمة ليغتصب العرش بمساعدة بعض ضعاف النفوس والمتواطئين معه .
( بداية المؤامرة )
دخل خليل على الملك وقال :
ـ مولاي ، لا يليق بك أن تبقى حبيس القصر . اخرج للصيد ، أو قم بزيارة مدنك لترى بعينيك أحوال رعيتك .
فأجابه الملك بحماسة:
ـ إن رافقتني ، فسنذهب غداً إلى مدن الجنوب لنطمئن على أهلها .
ابتسم خليل ابتسامة خبيثة وقال :
ـ مولاي ، إن ذهبنا معاً فمن يدير شؤون الحكم هنا ؟ أخشى أن يستغل بعض الحلفاء غيابك فيتآمروا مع أعدائك. لذلك أقترح أن ترافقك كتيبة صغيرة مع وزير الدولة حسام الدين ، فهو كفء وحكيم . أما أنا فسأبقى في القصر لأحفظ الأمن وأدير البلاد .
اقتنع الملك بالفكرة ، وجهز الموكب للرحلة في صباح اليوم التالي . وفي لحظة الوداع ، رافقهم خليل حتى مشارف المدينة ، ثم عاد إلى القصر وهو يتذوق لذّة السلطة ، كأنما أصبح الملك فعلاً . وما إن استقر في مجلسه حتى أرسل رجالاً ملثمين لاغتيال الملك وحاشيته ، معلناً نفسه سيد البلاد ، وسجن كل من اعترض من الوزراء والقادة .
( انقلاب السحر على الساحر )
لاحق الملثمون القافلة ، وظنوا الجميع نائمين ، فانقضوا عليهم بغتة . لكن المفاجأة كانت قاتلة ؛ إذ انقض الملك ورجاله عليهم فقتلوا بعضهم وأسروا الباقين .
فقد كان وزير الدولة حسام الدين قد ارتاب من الرحلة المفاجئة ، وحذر الملك ، ورتب كميناً أوقع المتآمرين في فخهم .
أثنى الملك على حسام الدين وشكر شجاعة حراسه ، لكن الوزير قال بحكمة :
ـ لا يزال الخطر قائماً يا مولاي ، فمن خانك في القصر لن يقف مكتوف الأيدي . أقترح أن تعود متنكراً كفلاح ، لنكشف ما جرى في غيابك .
اقتنع الملك بالخطة ، ودخل المدينة متنكراً مع قلة من رجاله . وهناك سمع من الناس أن وزيره خليل قد أعلن أن الملك تنازل عن الحكم ، واعتزل ليعيش بسلام بعيداً عن المسؤوليات .
ثارت حمية الملك وهمَّ بالانقضاض على القصر فوراً ، لكن حسام الدين أوقفه قائلاً :
ـ مهلاً يا مولاي ، خليل ماكر ، ولن نطيح به بالسيوف وحدها . يجب أن نسقطه بدهائه نفسه .
( خطة الاسترجاع )
جلس الملك ورجاله يتشاورون ، حتى اقترح حسام الدين خطة بارعة :
ـ سندخل القصر كتجّارٍ جلبوا هدايا للملك الجديد . والهدايا سيوف دمشقية نفيسة . وما إن ندخل البلاط حتى نخرجها في لحظة واحدة . أما أنت يا مولاي ، فاكشف عن وجهك عندها ، فتخور عزيمة الجميع . وسأمسك بخليل بيدي لأضعه تحت قدميك .
وافق الملك ، وفي اليوم التالي دخلوا مجلس خليل في هيئة تجار . تقدموا بالهدايا ، فاستقبلهم خليل متبختراً على عرشه ، ولم يدرِ أن نهايته على مرأى عينيه .
وما هي إلا لحظات حتى سُحبت السيوف ، وكشف الملك عن وجهه . جمد الدم في عروق الحاضرين ، فيما خرّ خليل صريعاً تحت قدمي سيده الشرعي . وسيطر رجال الملك على المجلس ، وفُكّ أسر القادة والوزراء .
( خاتمة )
منذ ذلك اليوم ، لم يعد الملك كما كان ؛ بل نضج فكره ، وتعلم أن الحكم لا يستقيم بالقوة وحدها ، بل بالحكمة والرؤية الثاقبة . ومنح وزيره الأمين حسام الدين صلاحيات أوسع ، مكافأةً على إخلاصه وشجاعته .
وهكذا ، انتصر العقل على السيف ، واستعاد الحق عرشه.
بقلم
الكاتب
ابو عمر ابراهيم الجفال
قصة
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات