-->
»نشرت فى : الجمعة، 19 ديسمبر 2025»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

حديث الجمعة _ فوزى يوسف إسماعيل

 


حديث الجمعة

بقلم/ فوزى يوسف إسماعيل
الانسان والبيئة
من واقع مجتمعنا أن نرى شباباً كلِ فى وادى، فمن الشباب اللاهث وراء العمل الجاد والذى يريد من خلاله تحقيق ذاته، ومن الشباب المستهتر الذى لا يعنيه إلا التطبيع مع الاحداثيات التى ظهرت والتى ستظهر مستقبلاً، بمعنى أنه يواكب العصر الحديث بما فيه من تطلعات تكنولوجية، ومنهم من يسبر فى الأرض مرحاً لا يهمه التقاليد والعادات، لا الاداب ولا الأخلاق ولا الذوق العام، وإنما داخله أجوف من هذه النواحى، كالرياح المتقلبة فإن أتت يميناً فهو معها وإن أتت شمالاً فهو معها، تلك الصورة الرديئة التى يعيشونها بالطول والعرض، وهناك شباب ملتزم دينيا واجتماعياً وثقافياً، ملتزم بالعادات والتقاليد التى تربى عليها، يحترم الآخر، ومنهم أيضاً من يعيش بلا تكلف لا يريد أن يبحث عن ذاته لأنه يمتلك السيارة الفاخرة وحياته كلها مترفهه، وهناك أنماط كثيرة من هذه النماذج المختلفة.
والإنسان هو مرتبط بالبيئة التى يعيش فيها، إن كان مدنياً فيتطبع على حياة المدينة، وإن كان ريفياً فهو أيضاً يتطبع على حياة الريف، وهكذا.
والشباب الذين يريدون تحقيق ذاتهم من المنظور القيمى أنه لا يشغله الارهاصات المتسببة من الجهات المزيفة، كالحياة الرتيبة فى حياة الإنسان، بمعنى أن حياته ليس بها جديد، فصباحه كمساءه، ولا الحياة الصاخبة كالهو الآتى من جهات التواصل الاجتماعى الذى أصبح الآن فى هذا العصر، نقطة سوداء فى عقول كثير من شبابنا وبناتنا معاً، أو التى تلهوه من جهات السهرات والجلوس الدائم أمام التلفاز.
لآن كل هذه الملذات تجعل حياة المرء تلقائياً مكباً كل الوقت على متابعتها طوال ساعات النهار، فينسى انجاز شواغله الذاتية، ولأن الواقع الآن يحفز الشباب على الاستمرار فى البحث عبر وسائل الاتصال الاجتماعى بحجة أنه يسهل عليهم اعمالهم، بسرعة البحث عن الأشياء التى يحتاجونها، فقد قرب الطريق أمام فكر الانسان بلا تعب ولا تكلف للحصول على المحتوى المطلوب من أقصر الطرق.
وأصبح الشباب لاهثاً وراء المعلومات عبر الانترنت، وتخلى عن فكره وإرهاق ذكرته فى البحث، مثلما كان الباحث يبحث فى كتب المكتبات قبل ظهور الانترنت، وأصبح الشاب من هذا النوع مكرساً كل وقته فى استعمال الانترنت بصورة بشعة للغاية، حتى كاد أن يسرق معظم أوقاته من المذاكرة أو العمل، وذلك أصبح السعى وراء التكنولوجيا التى غيبت العقول غير مقبوله، لأن هناك اشغالات أخرى لابد وأن تنجز، وبالمعنى المفهوم وبالصورة التى نراها قد سيطر مواقع التواصل الاجتماعى على عقول الشباب، فأصبح ملازماً له أينما يذهب، وكأنه داء خبيث ألتصق به.
ثم أصبح الانترنت بالنسبة للشباب هو المفاعل النووى لعقله، لا يتركه قط بل استمسك به حتى لا يغيب عقله، فيصبح غير قادر على التفكير مثل العمليات الحسابية التى ينجزها الانسان فى عمله، سواء فى عمله أو لهوه، لما له من تأثير عميق على العقل البشرى، فالمرء يرى منه ما لا يراه فى أشياء أخرى، لأنه بمجرد ضغطة واحدة يظهر له ما يريد، وإن كان الانترنت متهماً بتغيب عقول البشر، لأنه أصبح عاجزاً عن التفكير تماماً، بعد ما أعطى الفرصة للانترنت أن يجب بدلاً منه، حتى فى العملية الحسابية البسيطة التى كان الطالب يفكر فى حلها ضرباً وجمعاً، إلا أنه أصبح بإمكانه أن يفك طلاسم عقدة المسائل العويصة فى ثانية واحدة، فتظهر النتيجة أمامه، وهذه الاحداثات التى تقود الإنسان إلى معرفة الحقائق فى ثوان معدودة، جعلته لا يرهق نفسه فى التفكير، وإن كانت هذه الطرق أسوء ما جرى للإنسان فى هذا العصر، لأنه عندما كان معتمداً على عقله كان ذكياً، وبعد أن جاء الانترنت تغيب تماماً عن الواقع وجعله ينظر إلى الانترنت وهو مشدوهاً مفنجل العينين غير مبال، حيث كانت الاختراعات التكنولوجية كالكمبيوتر والانترنت والفضائيات أصبحوا فى المقام الأول لدى الانسان، تخدمه من ناحية ومن ناحية أخرى تقوده إلى عقم فى التفكير..

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus

الابتسامات

0102030405060708091011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041424344

design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة مجلة المســــ العربية ـــــاء 2014 - 2015